Sunday, July 26, 2009

جنة علي عبدالامام

عبدالإمام: «بلا هوية» الحالة التي اكتشفت جنتي فيها..
عبدالإمام: «بلا هوية» الحالة التي اكتشفت جنتي فيها..
يكتبها هذا الأسبوع علي عبدالإمام:
من لم يذق جنة «بحرين أونلاين» فقد ذاق جهنمها حتماً، سوق افتراضية، لكنها الأكثر تعبيراً عن حقيقة سوق البحرين وحراكها اليومي الساخن. «علي عبدالإمام» صاحب هذه السوق، يفتح جنته الخاصة التي هي جنة الثورة الإيرانية بمآلاتها البحرينية في جيل السبعينات والثمانينات، فما الذي تحمله هذه الجنة؟
*علي الديري
-----------


- جنة غير واضحة
غير واضحة تلك الجنة في صورها المتعددة تظهر لي بين فينة وأخرى كـ «فلاشات» سريعة، يستغرب الأهل أن أتذكر ما كان وأنا ابن ثلاث سنوات، نعم أتذكر عرس ابن عمتي، وإطلاق سراح ابن عمي وزوج أختي بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة، وعودة أخي من الدراسة في الرياض، أتذكر رسم منزلنا القديم، الحمام ذو الصبغ الأسود، السلّم غير المكتمل، الببغاء التي ماتت على الشجرة وعملت لها جنازة بكيت فيها يوم أكلها السنور الأحول، أتذكر العام 1983 كان الصبية قد بدؤوا الالتحاق بالمدرسة فيما أنا مازلت ضمن قوائم الانتظار لأنني مواليد شهر يناير/ كانون الثاني، يحضرني اللعب في «داعوس» منزلنا، أبناء وبنات، وأتذكر أيضاً أنني لم أسمع أهلي أبداً يتكلمون عن أخوالي وخالاتي، فقد كانت أمي إيرانية، وكنا في فترة الحرب العراقية الإيرانية، فترة كانت صور الخميني مقدسة للدرجة التي تخفيها عن العيون في مخابئ سرية، فجأة أبي يتحدث عن زيارة لإيران مع أمي لأقاربها، كانوا يقولون إنهم كانوا في كل عام يقضون الصيف هناك، ولكن بعد الثورة خاف الجميع من الجميع، ذهب أبي وأمي، عرفت أمي بموت والدها منذ بضع سنوات ولم يخبروها، عاد أبي والنية أن يصطحب الثلاثة الصغار وأختي الكبيرة، كان العام ,1987 ذهبنا، كانت السفرة الأولى لي خارج قريتي، ولأول مرة أرى حرماً لمعصوم، يتحدثون لغة غريبة لذيذة، ولكن لم أكن أفهمها، الجميل فيها، أننا كأطفال كنا نلعب من دون أن نفهم بعضنا، كانت لغة الطفولة المشتركة بين الأمم، ذهبنا إلى قم، وفجأة كان صوت انفجار قوي، كنا بداخل الحرم، غلّقوا الأبواب، سألت أبي ما كان ذلك الصوت، قال إنهم يغلقون الأبواب، لكني سمعتهم في اليوم التالي في طهران يقولون، قصفوا مصنعاً للأسلحة.
أتذكر أبي كان دائماً يستيقظ نصف الليل، الساعة الثانية والنصف صباحاً، يولع سيجارته، ويدير الراديو على إيران مباشرة ليسمع آخر أخبار الحرب وهو يجاهد الصافرة «الملعونة»، أتذكر مرة أخذنا لزيارة أصدقائه، ولما بدأ الحديث عن إيران قال لي ولأخي انتظرا بالخارج، ولكني وقفت خلف النافذة أستمع لدفاعه المستميت عن جنود الإمام وإيران الخمينية، أبي لم يدخل المدرسة، تعلم القراءة وحده في نادي جدحفص، لقد علّم نفسه بنفسه.


- جنة البواليع
تتميز المنطقة التي كنت أسكنها بأن بها محطة عبدالحسين بن جعفر للمحروقات (حوار حالياً)، وهي منطقة جديدة لم يمض عليها أكثر من ثلاثين سنة، ولأن البترول موجود في «فريجنا»، فقد تصارعت ولاية جدحفص وولاية الديه على أحقية تبعية المنطقة، ولأن الديه كانت للتو قد خرجت من مشكلة مقتل عبدالله المدني وكانت تسمى «الكوفة» فقد غلب الرأي على تبعيتنا لجدحفص.
في فترة الحوادث إذاً انقلبت الآية نتيجة طبيعة دور القريتين المختلف فيها، ولكن الكثير كان يسمينا «الفريج الجديد»، أما التسمية الغريبة والمعروفة على نطاق أهالي الديه وجدحفص فهي «فريج البواليع» لكون المجاري لم تكن قد حطت عندنا بعد، مازلت أشم تلك البقعة الخضراء من الماء على مدار العام والتي كانت أمام باب منزلنا، أمر عليها في لحظات خروجي ودخولي للمنزل، تعودت شم رائحة البواليع، في تلك الفترة تكون زيارات أخي المتقطعة من الرياض، وأصر وهو محب للعلوم الدينية على دراستي في مسجد اللوزي في جدحفص لأنهل علوم الشيخ يوسف البحراني ولم أكن فقهت الاختلافات في التقليد بعد، وقد أوصى جاسم الوافي، وهو صديق لأخي بأن يصطحبني يومياً، لكنه بعد سفر أخي لم يأت لاصطحابي إلا مرتين، وانقطع، ثم أتى قبل زيارة أخي الثانية بيوم واحد.
على فترات متقطعة أخذني ابن عمي للدراسة في مأتم الصفافير في المنامة ظهراً بعد عودتي من المدرسة، إلا أن ذلك لم يدم كثيراً، فبعد دخول المدرسة، أرسلتني أمي للمعلمة سلوى لأتعلم القرآن، وبقيت عندها ما يقارب سبعة أشهر لم أتخط البسملة، كان تعليمها صعباً بالنسبة إلى طفل في الابتدائية، بعد ذلك توقفت معلمة سلوى عن «التعلوم» وأرسلتني أمي إلى معلمة معصومة، ختمت سبعة أجزاء في أوقات قياسية، كانت دائماً ما تمدح قراءتي، كنت أنهي المدرسة وأركض إلى المعلم لأحجز الزاوية قبل أن يحجزها الآخرون.
وفي العام 1989 كان أخي قد عاد وعمل مدرساً وخطب وأخذ يستعد للزواج، كنت في الصف السادس، كنت نائماً، وأتت أختي لتوقظني وكعادتي رفضت، حتى قالت لي «قوم الإمام الخميني مات» هنا فزعت، ذهبت للصالة، كان أبي يبكي، وبجانبه ابني عمي وأخ آخر لي، وهما يحاولان جاهدين تحريك الراديو ليتجاوزوا «الصواية» المزعجة التي تحجب عنهم إذاعة القسم العربي من طهران، ويحاول أخي عبثاً تحريك «الروتيتر» لتظهر إيران في التلفاز علهم يرون شيئاً عنه، وفي الفترة نفسها ماتت معلمة معصومة، استقر رأي أخي على السفر للعراق لإتمام الزواج، حيث كانت قد فتحت للزيارة بعد الحرب، فالمجتمع لن يرحمه لو فعلها في البحرين، كما صادفت أربعينية الخميني عيد الأضحى، الكل كان يغير شيئاً، فغيرت عادة العيد.


- جنة الأنوري
بدأت علاقتي مع مسجد الأنوري في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، كنت أسمعهم يتحدثون عن دروس «السيد» ورحلات «السيد» فأحببت الذهاب لهذا «السيد»، كان الوضع غير آمن، أستغل فرصة شراء الخبز لأذهب للمسجد، حيث أهلي كانوا يرفضون خوفاً من اعتقالات سياسية، بدأت رحلات المساجد، وبدأت الدروس، وبدأ كتاب «الرسالة الصلاتية» يثير ضجته لتنتقل إلينا نحن الصغار فنما فيّ تحدي التقليد، فقلدت الشيخ يوسف لأن الأهل جميعهم كانوا كذلك، كان كتاب الرسالة الصلاتية يوزع مجاناً، كان السيد ذكياً، مرحاً، له أسلوب في جذب الجميع، تتلمذت على يديه فكانت بداياتي على يديه، مازلت أتذكر فترات الدراسة كيف العدد لا يتجاوز العشرة إلا نادراً، وفترة الرحلات نصل لستين، أتذكر في إحدى الرحلات قام عبدالله الدقاق (الشيخ عبدالله الدقاق حالياً) بتعليمنا تغسيل الميت، كنت أنا الميت.


- جنة الخمينية «الثوروية»
مع بداية التسعينات كنت قد بدأت أتبلور كشخصية سياسية، أتذكر غضب أبي بسبب وجود شريط عزاء للرادود حسين سهوان كانت به قصيدة «قال للمستضعفين» والتي كانت سياسية بدرجة كبيرة، كان الجو العام يحتم عليك أن تكون سياسياً ثوروياً، تبدأ بالاتصال بشباب المنامة، يتبلور عشق الرمز فيك، وتلبسه الخميني، يموت الكُلبايكاني، وأستيقظ على أول خلاف بين فاتحتين، إحداها تقام في مسجد مؤمن والأخرى في القصاب، تلك من دون رخصة وهذه برخصة، تلك حلال وهذه حرام، نخرج في مسيرة «لا إله إلا الله، الفقيه حبيب الله» تكون السماعة فيها خلفي مباشرة تهجم الشرطة، لا أرى أحداً إلا نفسي بين أكوام الشرطة المحاصرة للمنطقة، أحاول الهرب كما هرب الجميع، أسمعهم في أزقة المنامة يقولون المسيرة بالأمام، أذهب، أفاجأ بأن الشعار أصبح «ولائي ولائي لعلي خامنئي» وكنت أصرخ معهم، وصلنا مأتم القصاب، الشيخ أحمد العصفور يهدئ الجموع الغاضبة، بعد ذلك يتفرق الجميع، أعود للمنزل من بيت الحلال كما كنت قد جئت المنامة منه، «لِفْتْ»، يستدعيني أخي لينصحني بالابتعاد عن هذه الخطوط والالتفات للدراسة، بحيوية الشباب الثوري أعاند في نفسي ذلك، أستمر في حضور التجمعات السياسية والدينية، برنامج طلعات ليلة الجمعة مع شباب النبيه صالح والمدينة، دعاء كميل وعشاء سمبوسة، ومحاضرات دينية، البحث في كل جمعة عن مسجد مهجور ويكون دعاء كميل الروح التي تبعث فيه، الابتعاد عن القرية والانشغال بالوطن ككل، أبدأ في كتابة الشعر للمآتم.
تنطلق العريضة، أوقع، تتفجر الحوادث، أكون منشغلاً ومشتغلاً بها، يعاند الأهل، الضغط يكبر، يظهر تياران، هذا مدني، هذا جمري، الجمري الوحيد كنت في بيتنا، في كل ليلة يصبح مجلس بيت الوالد ساحة نقاشات سياسية بشأن ما حدث ويحدث، ويكون صوتي هو الصوت الجمري الوحيد - بحسب التصنيفات.
في العام 1995 تمت دعوتي للانضمام للهيئة، من أجل تنظيم أماكن تواجد النساء حين تخرج مواكب العزاء والتأكد من فصلهم عن الرجال، بقيت في الهيئة مدة سبع سنوات حتى العام ,2001 كان العمل متعباً، من المغرب حتى الصباح، أحاول تطبيق مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
في العام 1993 يكتشف أخي وجود كتاب بعنوان «الشيعة وخرافة عيد الغدير» ثم كتاب آخر يهاجم الشيعة، يغضب أخي، لم يلتفت إلى كتاب «ثم اهتديت» الذي كان بجنبهما، يقول لي لن أفهمها، وهو نفسه من أعطاني قبل ذلك كتاب «الله خالق الكون» وهو صعب جداً وفهمته، كان أخي مكتبتي الأولى التي أنهل فيها التدين، مع البداية العام 1995 يعطيني كتاب «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» للدكتور علي الوردي، كان أخي يريد أن أبتعد عن الخط الثوري عبر قراءة التاريخ، كنت حينها ابن 16 عاماً فقط، لكن الكتاب كان له الأثر الأكبر في صوغ طريقة تفكيري والسبب في تغيري، لكن ليس كما يريد أخي، وانغمست في كتبه كلها، اصطدمت مع الشيخ سليمان المدني؛ لأنه كان ضد علي الوردي في كتابته للتاريخ، في العام ,1997 اشتريت أحد كتب مطهري لرخص ثمنها من فرشة أمام مأتم الديه، فيمازحني علي الجزيري «بسك يا بوحسين من هالكتب» كانت بداية الانطلاق للأسئلة التي تتبعها أسئلة، لم تكن الكتب الدينية تروي ظمئي، فرحت أبحث عن الأجواء القديمة، بين الدواليب والبيوت القديمة، الجلوس مع كبار السن، كان لي مزار في قرية الديه تم هدمه حديثاً، كان حائطاً وسط الدواليب مكتوب عليه «اللهم انصر الإمام الخميني واحفظ جيوش المسلمين» كان هذا الشعار دائماً ما يأخذني لأجواء الثمانينات.
أتذكر في العام 1998 وأنا أتمشى أمام مأتم الترانجة، رأيت ورقة مقطوعة من صحيفة أخبار الخليج فيها صورة الإمام الخميني، التقطها، أحتفظ بها، ومازلت أحتفظ بها حتى الآن.
أذهب إلى سوريا وألتقي السيد فضل الله مع اثنين من أصدقائي، نضع المسجلة، نحاوره في وضع البحرين، المسجلة لم تكن تعمل ونحن لا نعلم، بالليل نذهب للسيد عبدالله الغريفي نتكلم، يرفض وضع التسجيل، في الأسبوع التالي نذهب للسيد فضل الله نريد أن نعيد التسجيل مرة أخرى، يرفض التسجيل، كنا رأيناهم يخرجون مع بعضهم بعد انتهاء لقائنا بالسيد عبدالله الغريفي.


- جنة الإنترنت
بعد الثانوية أراد الأهل أن أتوجه للخارج للدراسة من أجل إبعادي عن البحرين بسبب الحوادث، لكني حصلت على قبول في معهد البحرين، فانتظمت في الدراسة، للمرة الأولى تكون معي بالصف فتيات، فأظل منحرجاً منهن طوال الوقت، بنهاية 1996 وبداية 1997 يبتدأ مشوار الإنترنت، «الفريتل» الأداة الوحيدة للبحث عن الحديث رغم كلفة الإنترنت في ذلك الوقت، أنتقي اسمي مرة يكون
100 % B@7R@n!
وأحيانا
50% B@7R@N! 50% 3ijmi.
«تعبير عن هوية ضائعة، اكتشفت معنى الهوية، أنتظم في غرف المنتديات، بأسماء مستعارة بالأساس «بحراني» أحجزها كلها، في نسيج، في الساحة، في الجلسة، في كيوتل، اكتشف تعصبي للهوية أكثر، والأسماء المستعارة تعطيك الفرصة أن تشكل شخصيتك كما تريد بعيداً عن الواقع، تماماً كما في لعبة «second life» أدخل النقاشات السنية الشيعية بغية إقناع الآخر محملاً بالحجج الدامغة كافة، أكتشف أن لا حججي دامغة ولا حججهم أدمغ، أصل إلى أن الدين وراثة لا اقتناع، 1998 افتتحت منتدى تجريبياً في الليل، متواضعاً جداً، في اليوم التالي أصحو على 5 أعضاء قد سجلوا لا أعرفهم، يكبر المنتدى حتى يصل إلى مئة عضو ونشاط ملحوظ، يختفي المنتدى، المطالبات من الداخل والخارج بإعادته، يعود بعد أشهر، ويعود الجميع، ويختفي ويعود ويختفي ويعود، تتجدد الدماء ويبقى هو موجود، لم يمر ببالي أبداً أن أكون صاحب منتدى كبير يحسب له حساب، وأن يكون هذا المنتدى سبباً في ذلك التغير الأكبر في حياتي، أن تفهم الناس أعمق، أن تفهم ذاتك أكبر، أن تفهم المختلف عنك أوضح.



- الهوية الضائعة
عندما تشاهد صفحتي على «كتاب الوجه» (Facebook) ترى مكتوباً تحت اسمي «lost identity» وهو ما يعبر عن الحالة التي اكتشفت جنتي فيها، من أنا بعد رحلة لم تتجاوز ثلاثين عاماً، بلا هوية، أخاف أن أكشف عن حقيقة أفكاري فتصيبني لعنة «المتدينين» التي لن تقوى على فهمي، ولن تقوى على الاقتناع بأنني مقتنع بما أنا عليه، يحاربون الهويات الأخرى ليثبتوا لأنفسهم أن هويتهم هي الحق والصحيحة، ولكن لو واجهتهم بمناقص هوياتهم - كما تعتقدها - لا يستطيعون أن يفهموها، يوصلني الملتقى إلى العالمية، وأدعى لحضور مؤتمرات هنا وهناك، أجوب العالم، أتفتح على أفكار أخرى، أعجب بها، هنا يقولون تغرّب عن ثقافته الأصيلة، ولا يقولون اقتنع بأفكار أخرى وذنبه يحمله هو، ولكن مهلاً، ألم أكن يوماً ما مثلهم أحارب من يتغرب عن ثقافته، أشدد على تكرار كلمات بحرانية قديمة بغية تثبيتها، استدعاء تاريخ العائلة والأجداد بغية إحيائه، أصر على سؤال أبي دائماً عما كان يحدث قديماً، عن طريقة الحياة قديماً، أحفظ الأمثال البحرانية القديمة، ألست أنا من كتب قصيدة في العام 1998 كان مطلعها:
يا دار عاودني أليم وصالي
جاد القريح مبعثراً أوصالي
إحياء لتاريخ وتراث في البحرين عبر أبياتها، أحضر إلى مجلس يتداولون القصيدة يمدحونها، ينسبونها لشاعر عاش في الخمسينات نفي بعد الهيئة، أكون أنا الكاتب، وأسكت، فقد كانت فترة أمن الدولة، والآن هل يحق لي أنا أن أسأل

: «Who Am I؟».



http://www.alwaqt.com/art.php?aid=173567

No comments: