Sunday, December 26, 2004

كارثة اقتصادية تنتظر البحرين

عشرة أسباب للتروي العربي في مناطق التجارة الحرة مع أميركا...

وغيرها واشنطن : عماد مكي

لم يكن الخلاف الذي شهدته اجتماعات مجلس التعاون الخليجي حول اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة بدون فوائد.

فلقد وضع ولاول مرة قضية التجارة الحرة مع أميركا على طاولة النقاش العام فى المنطقة. ومع انه من المسلم به وضع كل القضايا على طاولة النقاش العام ، الا ان قضية مناطق التجارة الحرة بين البلاد العربية واطراف دولية على رأس الموضوعات التى ينبغى مناقشتها موسعا ومفصلا مع كل اطراف المجتمع قبل تمريرها، لانها ببساطة تؤثر على الحياة الاقتصادية للملايين من المواطنين سواء عملوا فى القطاع العام للدولة او القطاع الخاص. ولفهم حرص أميركا على ادخال الدول العربية في اتفاقات تجارة حرة، لا بد من استرجاع احداث ما بعد 11 سبتمبر (ايلول) 2001.

فبعد شهور من الاحداث التي هزت الولايات المتحدة ودفعت قوى اليمين الى الامام، وقف الرئيس الأميركي جورج بوش ليعلن أن بلاده ستعمل على انشاء مناطق تجارة حرة في العالم العربي، موضحا ان مناطق التجارة الحرة ستكون ضرورية لدفع تحرير الاقتصادات العربية، وتقليل حماية الدولة للصناعات الوطنية وان ذلك حيوى من اجل دمج اقتصاد المنطقة بالعالم.

وتلى ذلك توقيع اتفاقية تجارة حرة مع المغرب في مارس (اذار) 2004، واخرى مع البحرين في سبتمبر (ايلول) 2004. علاوة على خطط اميركا بدء مفاوضات مشابهة مع الامارات العربية المتحدة وعمان في العام القادم. وكانت واشنطن قد وقعت اول اتفاقية للتجارة الحرة فى المنطقة مع الاردن فى اكتوبر(تشرين اول) 2000. ولان دعوة اميركا ليست بالدعوة الاقتصادية البحتة، فلا بد من التروي العربي قبل توقيع هذه الاتفاقيات، وطرح تساؤلات عما اذا كانت ستؤدي الى تقوية الاقتصادات العربية والافراد أم لا. وهناك عشرة اسباب تدفع للتروي العربي.

((((((((((((((( أولا: )))))))))))))))

الولايات المتحدة تسعى للدخول في الاتفاقيات بدون اي مشاركة شعبية او نقابية، فاتفاقية التجارة الحرة مع المغرب او الاردن والتي مررهما الكونغرس الأميركي، علاوة على اتفاقية التجارة الحرة مع البحرين التي تنتظر موافقة الكونغرس، ثم اخيرا الاتفاقية الثلاثية بين اسرائيل وأميركا ومصر، كلها تمت بدون حوار جدي في المؤسسات النقابية والشعبية العربية مثل الاتحادات العمالية او المنظمات الاهلية. وفي حين تستغرق تلك الاتفاقات سنوات وسنوات من الدراسة والنقاش العام في دول اخرى، لم تستغرق الا شهور قليلة في الاقطار العربية. وفي حين ان المئات من الشركات الأميركية وممثلي الكيانات الصناعية والتجارية يقدمون النصح والمشورة والمطالب للمفاوضين الأميركيين ولهم اطلاع مسبق على نصوص تلك الاتفاقيات، كما يسمح للشركات الأميركية بالمشاركة الفعلية في كتابة الاتفاقية لضمان حقوقها وارباحها، يظل المواطن العربي والنقابات العمالية والزراعية بعيدة عن الاطلاع على نصوص هذه الاتفاقيات، ناهيك من المشاركة فيها.

((((((((((((( ثانيا: )))))))))))))

عدم الوقوف بشكل مفصل على الآثار الاقتصادية متوسطة وبعيدة المدى التي ستترتب على هذه الاتفاقيات وعلى رأسها حقوق العمال. فطبقا لاتفاقية «النافتا» التي دخلت فيها أميركا مع المكسيك وكندا في اوائل التسعينات، وتعتبر النموذج الذي تسير عليه أميركا في اتفاقياتها مع الدول الاخرى، فان بنود الاتفاقية تتعمد اهمال العمال وظروفهم. فعلى سبيل المثال، تقوم الشركات الكبيرة بنقل المشروعات والوظائف من الدول التي تدفع مرتبات كبيرة الى الدول التي تدفع مرتبات اقل. فاذا كانت المرتبات في الدولة (أ) مثلا اعلى من الدولة (ب)، فسيتم نقل الوظائف التي تقدم فرص عمل للمواطن في الدولة (أ) الى الدولة (ب) حيث الانتاج سيكون ارخص للشركات الدولية التي لا تهتم بوضع الاتحادات العمالية او حقوق العمال، بل تهتم بالارباح. ويعرف هذا النمط من نقل الشركات والمصانع الى الدول الارخص باسم «السباق الى القاع». والنتيجة المنطقية لذلك انه اذا دخلت اميركا اتفاقية تجارة حرة مع دولة، فإنها تهددها انها ستنقل اعمالها الى بلد اخر اذا لم تعمل على تخفيض مرتبات العمال. وأكبر دليل على ان وظائف اتفاقات التجارة الحرة لا تدوم الا لسنوات قليلة، أن معظم المصانع التي فتحت في مناطق تسمى «الماكيلادورا» بالمكسيك، وهي تشبه مناطق «الكويز» المصرية الاسرائيلية، تحت بنود «نافتا»، قد نقلت مصانعها الى الصين والهند حيث العمالة ارخص. وعادت مشكلة البطالة الى حالها بعد ان استغلت الشركات الأميركية العمالة المكسيكية اسوأ استغلال عن طريق التحالف مع رجال الاعمال المحليين الذين زايدوا على العمالة بقولهم انهم اذا لم يقبلوا العمال في تلك المناطق باجور اقل فانهم يواجهون فقدان الوظائف. اما بالنسبة للاردن فعلى الرغم من ان اميركا تدعي أن نموذج المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) الذي استحدثته في اتفاق التجارة بين الأردن وإسرائيل كان ناجحا; لأن أكثر من 35 ألف فرصة عمل توفرت داخل المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، فإن مراجعة اقتصادية لاوضاع الاردن صدرت عن البنك الدولي في سبتمبر(ايلول) 2004 قالت، ان «النمو الاقتصادي الأخير لم يترجم إلى زيادة متساوية في توفير فرص العمل أو تقليل الفقر». وأضاف البنك «ما زالت معدلات البطالة عند نسبة 15%، ونسبة العمل في وظائف أقل من المؤهلات مرتفعة، وبقيت بؤر الفقر المدقع على حالها».

(((((((((((((((((( ثالثا: ))))))))))))))))))

التجارة الحرة قد تدمر الزراعة المحلية. إذ تسمح الاتفاقيات بدخول الشركات الزراعية الأميركية العملاقة الى الاسواق المحلية وبيع منتجاتها في تلك الاماكن خصوصا مع قيام الدول العربية او دول اخرى بإلغاء قوانينها الحمائية. ففي المكسيك قل السعر الذي يتلقاه المزارع المكسيكي للذرة بنسبة 45 في المائة في الثلاث سنوات الاخيرة، نتيجة ان الشركات الأميركية العملاقة «أغرقت» السوق المكسيكي بمنتجات للذرة رخيصة مدعومة من الحكومة الأميركية. ونظرة واحدة على اوضاع المزارعين والزراعة في العالم العربي توضح ان المنافسة بدون حماية الدولة قد تعني القضاء على قطاع الزراعة في الكثير من الاقطار العربية. فوفق نص اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب تلتزم المغرب بفتح اسواقها امام المنتجات الزراعية الاميركية مثل الذرة والقطن. كما تلتزم المغرب بتخفيض جماركها وتعريفاتها بنسبة 50 في المائة في السنة الاولى فقط ثم ترفعها نهائيا خلال خمس سنوات. ايضا ترفع المغرب كل التعريفات عن القطن ومنتجات الالبان الاميركية والخمور، وكذلك الجمارك عن الحبوب والارز الاميركي. وتتوقع واشنطن زيادة صادراتها من القمح الى المغرب بنسبة خمس مرات على الرغم من وجود زراعة قومية للقمح في المغرب. وعلى المدى المتوسط، وبسسب انخفاض تكلفة زراعة القمح الاميركي، فإن المنتج سيغرق الاسواق المغربية ويدفع بالعمالة الزراعية المغربية الى الخروج من سوق العمل، تماما كما حدث مع المزارعين في المكسيك.

(((((((((((((((((((( رابعا: ))))))))))))))))))))

اتفاقيات التجارة الحرة تتضمن خصخصة الخدمات الاساسية كالتعليم والصحة. وتحرص أميركا أيضا في اتفاقياتها على دفع الدول الاخرى الى خصخصة خدمات اساسية هامة، مثل الطاقة والمياه والرعاية الصحية، وحتى البريد وخدمات الهاتف وشركات المراسلة والتوصيل والنقل، وهو ما يعني ارتفاع كلفة تلك الخدمات الضرورية والحيوية للمجتمع ككل اذا تركت للقطاع الخاص المحلي بالكلية او الى السيطرة الاجنبية اذا ما دخلت فيها الشركات الاجنبية بالتحالف مع الشركات ورجال الاعمال المحليين، الذين غالبا ما يستخدمون كستار لسيطرة الشركات الأميركية. وغالبا ما ترفع الشركات اسعار الخدمات لاسترداد استثماراتها علاوة على الربح العالي.

((((((((((((((((((((( خامسا: ))))))))))))))))))

الاتفاقات تعطي امتيازات قانونية للشركات الاجنبية تتخطى السلطة المحلية. تعطي اتفاقيات التجارة الحرة حقوقا كبيرة للشركات الأميركية وهو ما يحول امتيازاتها الى حقوق وقوانين بشكل يهدد المستهلك العربي، الذي لا يجد من يدعمه، امام قوة الشركات تلك. اذ يمكن للشركات الأميركية وفق بنود اتفاقات التجارة الحرة مقاضاة الدول والحكومات مباشرة وتطالبها بتعويضات اذا ما قامت الحكومة بتنفيذ قانون محلي ترى فيه الشركة تهديدا لارباحها. ومن ذلك فان الشركات المصنعة للمواد الكيماوية الضارة مثلا لن تكون ملتزمة بقوانين الصحة العامة او قوانين حماية البيئة المحلية اذا اضرت تلك القواعد بارباح الشركة بل يمكن للشركة مطالبة الحكومات العربية بتعويضات مالية ضخمة كما حدث في أميركا اللاتينية وبعض دول اوروبا الشرقية.

(((((((((((((((((((((( سادسا: )))))))))))))))))))))))

اتفاقيات التجارة الحرة تفتح الدول العربية لمنتجات «فرانكشتاين». تحاول واشنطن استخدام تلك الاتفاقات لاجبار الدول الاخرى على استعمال الاغذية والمواد المعدلة وراثيا، والتي يرفض كل اعضاء الاتحاد الاوروبي دخولها الى اسواقهم لعدم ثبات صحتها وسلامتها للانسان بشكل قاطع. وتعتبر اكبر شركات انتاج تلك المواد هي في أميركا ومنها شركة «أفانتيس» و«مونسانتو» و«داو» و«ديو بونت». وتسمى هذه الاغذية التي يتدخل في مواصفاتها الانسان باسم «أطعمة فرانكشتاين». وتسعى تلك الشركات الى اجبار مزارعي العالم على استخدام حبوبهم، وعدم استخدام الطريقة التقليدية بادخار بعض الحبوب والبذور من محصول العام الحالي للعام المقبل، وبهذه الطريقة تتمكن تلك الشركات من تحقيق ارباح هائلة من المبيعات.

(((((((((((((((((((((( سابعا: ))))))))))))))))))))))

تسمح الاتفاقيات التجارية مع أميركا باجبار الدول العربية على عدم تفضيل الشركات المحلية القومية حتى في التوريدات الحكومية والمناقصات والعطاءات الرسمية، بمعنى انه ستتمكن الشركات الأميركية من التوريد المباشر، وبدون وسيط، الى الحكومات العربية. وفي ذلك ضربة قوية للموردين المحليين. ويتم منع الحكومات من فرض أية مواصفات فنية في العقود العامة اذا رأت فيها أميركا وشركاتها ان هذه المواصفات قد تمثل «عائقا غير ضروري».

(((((((((((((((((((((((( ثامنا: )))))))))))))))))))))))))

الاتفاقات التجارية تكرس هيمنة الدول الصناعية وخاصة أميركا على الدول النامية الجنوبية. ويقول كثير من الاقتصاديين وجماعات التنمية العالمية ، ان الفترة العالمية التي شهدت تدفقا من الاستثمار الاجنبي وحركة الشركات الكبيرة في الدول الصناعية الى الدول النامية منذ منتصف الستينات وحتى أواخر التسعينات ازداد فيها عدم المساوة على مستوى دولي. وتقول العديد من المنظمات مثل منظمة «جلوبال اكستشينج» (التبادل الدولي) انه بدون ايقاف للمضاربات في رأس المال في الدول النامية وبدون مراقبة راس المال الاجنبي، فان العالم الثالث سيبقى مقيدا وخاضعا للدول الصناعية الكبرى في الغرب وسيزداد الفقر وعدم المساواة.

((((((((((((((((((((((((( تاسعا: ))))))))))))))))))))))))

تنفرد اتفاقات أميركا مع العرب بشروط تجبرها على «التعامل» مع اسرائيل، وهو ما يجعل سابقة «الكويز» في الاردن ومصر سابقة خطيرة ، اذ رسخ الاتفاق لدى أميركا واسرائيل انه لا يمكن للعرب التعامل مع أميركا، الا عن طريق تل ابيب.

(((((((((((((((((((((( عاشرا: )))))))))))))))))))))))))

تسمح الاتفاقيات الحرة للشركات الأميركية بحماية «حقوق الملكية الفكرية»، خاصة في الابحاث والمنتجات العلمية. وقد تكون تلك المنتجات ضرورية لعلاج امراض خطيرة مثل الايدز. غير ان الاتفاقيات تمنع الشركات المحلية من انتاج تلك الادوية لفترة قد تزيد عن 20 سنة، مما يجعل الشركات الأميركية تتحكم في الاسعار، الامر الذي يهدد صناعة قومية مثل صناعة الدواء وتمنع الادوية من الوصول الى الطبقات الفقيرة.

1 comment:

Anonymous said...

أود أن أشكركم أولاً على هذا التحليل الذي يلم معلومات قيمة وخطيرة يجب ألا تخفى عن الآخرين كما أود أن أقول جزا الله خيراً كل من ساهم في كتابة ونشر هذا المقال