Wednesday, December 05, 2007

صناعة الله "الديني"


لن تجد خطيبا يعتلي المنبر أو شيخا يعظ الناس إلا ويقول لك "إن الله يأمركم بكذا، ويريد منكم أن تكونوا كذا"

هذا المقال هو تكملة للمقال السابق حول صناعة الله ، وينقسم إلى صناعة الله الديني وهو موضوع هذا المقال ويتبعه صناعة الله السياسي وهو المقال القادم إن شاء الله

تعتبر صناعة الله "الديني" حرفة يحترفها رجال الدين، فهم يصعدون المنابر في المساجد والمآتم ليحدثوك عن الله، وتكون لغة حديثهم عن الله هي لغة الله "الجبار الشديد العقاب" ليستبقوا اقتناعك العقلي باقتناعك الخوفي ، أي أن اقتناعك مبني على الخوف لا غيره، ومن ثم يبدأون بالحديث عن ما يريده الله، وبقدرة قادر يتحول لسانهم إلى لسان الله، وقولهم إلى قول الله، وفهمهم الإنساني، إلى أنه هو نفسه فهم الله الرباني ، فلا يحدثك أحدهم عن الاختلاف في فهم الله، ولا عن أن الطرق إلى بعدد أنفاس الخلائق، بقدر ما يحدثك من منظار ، أنني الإسلام، أنني لسان الله ، أنني لسان القرآن الحاكم عليكم بفهمي له، يندمج الخطاب الإنساني بالخطاب الرباني، لينتج الله الديني، الله الذي لا يعصى ، يحدثك هذا الشيخ على أنه الله ليس غيره

تستغرق أكثر في هذه المنظومة المحكمة، لتكتشف أنك منذ الصغر تبكي خوفا من المقبرة، أنها المكان الموحش، وذلك بفعل التخويف من عصيان الله، وكيف السبيل إلى طاعة الله غير أن يكون السبيل هو نفسه طاعة رجل الدين هذا، وأنه ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه كأنها نزلت في رجل الدين هذا نفسه دون غيره

بعد أن تتم المرحلة الأولى من الصناعة لهذا الله الديني والدمج الغريب بين الله رب الارباب وخطابات رجال الدين، يؤتى على إطاعة رجل الدين هذا والولاء له دون تفكير، فلن يعد هناك أدنى شك في أن رجل الدين نفسه قائم على انكشافات للحجب لا نبصرها نحن العوام من الناس

عند ذاك تكون أوامر هذا الله الديني نافذة، ولا من ضامن لأن يستخدم رجل الدين خطاباته في مصلحة الله وحده، بل قد تكون لمصالح شخصية وآنية، رجل الدين هنا بعد ان اندمج مع الله بتلك الصورة، أصبح مصدر تصوير لله لمن أراد أن يتصوره، ومصدر عبادة لله لمن أراد أن يعبده "فأتوا البيوت من أبوابها" وهو باب الله وباب الدين باختصار بابوية بصورة إسلامية

البابوية الإسلامية تفرض نفسها على كل مناح حياتك، فحتى دراستك تكون بنية القرب لله كما يعلموك بالمسجد، أن يكون ولائك للدين مقدما دائما وأبدا، وبالتالي تصنع نفسك من ضمن الجماعة، ولا تصنع نفسك والجماعة، بل تلغي ذاتك الخاصة دائما، وهذا موضوع حلقة أخرى من سلسة صناعات، ولكن ليت رجل الدين يصنع دينه من ضمن منظومة افهام للدين مختلفة متصارعة في المجتمع، ولا يصنع من دينه او ربه وكأنه رب الأرباب وديان الديانات

2 comments:

Ammaro said...

لا اعتقد بأن مفهوم كل خطاب عن الله مبني على الخوف, و اذا كان كذلك فلا اعتقد انها الطريقة الصحيحة للتوعية الدينية. نعم, يجب ان يكون هناك خوف من العقاب الى درجة, و لكن بناءالدين يبنى على الفهم, و الحب, و الطمع في الثواب و الآخرة, و غير هذا..

المشكلة هي في بعض رجال الدين الذين يحسبون انفسهم من اعلم العلماء, و ان الشعب عامة لن يفهم, و لذلك يتوجهون الى اسلوب التخويف, و هذا خطأ, فهنا لا يتعلم التسامح في الدين, و لا يتعلم التفكير في المواضيع الدينية. ما يتعلمه هو صورة مطابقة لصورة شيخ الدين في الاسلام, و اي شئ غير هذا خطأ, و من هنا تبدأ المشاكل من خلال اختلاف اراء الشيوخ, فينقسم الشعب, و كل قسم له رأي لا يقبل بالتفاوض فيه, و اي شئ لا يتماشى مع ارآئهم هو خطأ. و تكبر المشاكل, و تزداد, فيضعف الشعب, و تضعف روح الدين و الشعب يتحاربون بين بعضهم, فمن الصحيح, و من الخاطئ؟

Ali Abdulemam said...

العزيز عمار

شكرا لك على مداخلتك الجميلة، وبالفعل ما قلت لكنه الفرق بين النظرية والتطبيق ، بين المرفوض والمفروض هو كذلك

ما احاوله في هذه السلسلة من صناعات هو اعادة قراءة مشاكل المجتمع وبروية، فكما تعلم المجتمع بتدينه الموجود متوحش

شكرا لك على مرورك مرة اخرى