Thursday, December 20, 2007

عدا سرير لم يستطع شرائه







تحدثت أخت الشهيد السعيد علي جاسم عن أخاها الذي يستعد لاستقبال مولوده خلال الشهرين القادمين، وأنه في آخر كلماته التي نطق بها كان يوصيهم بزوجته وإبنه المرتقب، وأضافت أنه اشترى كل احتياجات طفله المرتقب "عدا سرير لم يستطع شرائه"

هل حركت هذه الكلمة في داخل أي قارئ شيئا ، ربما ليس بعد، حسنا سأحاول جاهدا أن أحرك في داخلكم شيئا

عيد الشهداء هي عادة سنوية، أنا شخصيا من المداومين على فعالياتها، طيلة الأربع سنوات ما بعد ما يسمى بعهد الإصلاح كنت مداوم على الحضور ، عدا العام الماضي وهذا العام الذي تم منع المسيرة فيه، وانتقلت المظاهرات إلى شوارع القرى، البديل الدائم عن أي فشل في الضغط، وكالعادة هذا العام القرى كانت تترقب المحاصرة لتنطلق هي بوفائها المعتاد لشهدائها

انطلقت المظاهرات كالعادة، واصطدموا مع المرتزقة الأنذال كالعادة، ولأن الفلفل المطحون – ربما كان منته الصلاحية- فإن عيوننا كانت تفيض بالماء لا بالدمع، وأيضا بين كر وفر، ومواجهات هي في كل يوم أعنف، كان كذلك يوم عيد الشهداء أعنف من سابقيه، وفجأة يرن هاتفي اتصال من صديق

يبدو أن هناك اصابة خطيرة، وبعدها اتصال يبدو أن الامر عادي وأنا في المستشفى الدولي، وبعدها اتصال ثالث، يحاولون عمل تنفس صناعي له ولكنه لا يستجيب، وبعدها اتصال رابع،

توفي

وفي خلفية الاتصال كانت أصوات إخوته صائحة نائحة ، طبعا لم تسمعوها لكنتم تأثرتم ، وأيضا كالعادة انتشر الخبر كالنار في الهشيم، والغضب الطبيعي هو أن يخرج الجميع للشارع

ليست مهمتي هنا رواية الرواية، بقدر ما تحريك ما بداخلكم يا سادة

الشهيد كان معي في المدرسة، لم نكن في صف واحد، بل كنا من نفس الفئة العمرية، وكنا من نفس القرية، جدحفص

في اليوم التالي تلقيت اتصالا يقول التشييع سيبدأ في التاسعة، وقمت باكرا للذهاب إلى الجبانة والبقاء هناك حتى العاشرة والنصف موعد المسير، ومرت المسيرة على جدحفص، أمام شارع السوق، أمام منزل الشهيد تقريبا، كانت النسوة تصيح وتولول ، وأيضا هو قدر جدحفص، أن أول شهيد في انتفاضة الكرامة، كان من جدحفص، وقدر جدحفص، أن يكون لخطاب "الموت لآل خليفة" طعمه الآخر في هذه القرية ويدفن الشهيد

هل تحرك فيكم شيئا؟ ربما ليس بعد فكثير مما قلته هو من السياسة الكثير، والحزن قليل

لكن الشهيد الذي يعمل سائقا، كم راتبه، لا أعلم ، لكنه بالتأكيد ليس بالذي يكفي لأن يستطيع الشهيد أن يشتري سرير إلى اول مولود، ايها السادة، لديكم مواليد ، ابحثوا عن الأول، ألم تشتروا له الغالي والنفيس، ألم تحاولوا أن يكون المميز بين عائلتكم، هذا المسكين كان ينتظر الأول، ليس الثاني لكي يتلابس مع الأول، إن الشهيد لم يستطع أن يشتري سريرا، السرير جزء مهم الآن من جهاز الطفل الأول، ليس أهم منه لون "الشباحات" وليس أهم منه "سلة الطفل" وليس أهم منه بقية الأشياء ، السرير مهم، وهو غال بعض الشيء لا كل الشيء ، لكن الشهيد لم يستطع أن يشتري سريرا لطفله الأول

تقول أخته أنه كان يحب الصغار وكان متعلق بابنها البالغ 8 أشهر ، ترى كيف سيرى طفله لو ولد بدون سرير، هل يستعير سريرا، لا يوجد من يعير سريرا، هل يسرق، الكرم والإباء البحراني يرفض له ذلك، لكنه ينتفض وجزائه مرتزقة تتحكم في حياته وفي عمره

وما إن مات الشهيد حتى تسابق السماسرة السياسيون، وتسابق الثوريون الزائفون، وتسابق عشاق المايكروفونات والصراخ فيها، وتسابق من لا يريدون أن تفوتهم اللحظة بدون أن تكون لهم بصمة فيه، الجميع تسابق لكي يبحث عن موطئ قدم له ، وليتهم جميعا، بل أتمنى من كل قلبي ذلك، أن يحترق قلب أحدهم لكي يحس بما يحدث للبسطاء

أيها السماسرة جميعا ، هذه هدية مني إليكم، تسابقوا لشراء سرير لطفل الشهيد، واكتبوا في الصحف فلان او الجهة الفلانية تبرعت لشراء سرير بعد أن لم يستطع أباه شرائه له، سيصفق لكم الاغبياء، والبسطاء، ورعاع حب وقول وابغض وقول ، هيا تلاقفوا الفكرة، تلاقفوها تلاقفوها ، فوالله لا جنة ولا نار إنه فقط سرير لم يستطع أباه أن يشتريه له، لا تجعلوا ابن الشهيد يولد بدون سرير، تخيلوا ايها السماسرة الطيبون أن يولد ابنكم البكر بدون سرير؟!

بالختام كلمة للوفاق

لأنني قلتها كثيرا سأقولها الآن أيضا علنا

لا أعلم أي سخيف ، هو ذاك الذي أصدر البيان الأول ليلة المقتل، وأي غباء في عقله ايا كان، وإن كان بيانكم الثاني جيدا نوعا ما، لكن ، لو كنتم رجال، بصفتكم النيابية اتكلم وليس بصفتكم الإسلامية، لو كنتم رجال، لن أطلب انسحابكم، بل لو كنتم رجال، كنت أتمنى فقط، بيان مقتضب، تعليق جميع عضوياتكم بالمجلس حتى استقالة وزير الداخلية وإحلال المواطنين بدلا من المرتزقة، لكنكم لستم بذلك القدر من الرجولة، واعذروني إن صارحت أحدكم أو كلكم بحقيقتكم ، لن تفعلوها ولو قتلوا الشيخ عيسى قاسم وأحاسب عليها أمام ربي

Thursday, December 06, 2007

صناعة الله "السياسي"



"إن نشأة الله في مجتمعنا هي نشأة سياسية أكثر منها ربانية"

صحيح أن البحرين كانت تدعى بلد الإيمان والمؤمنين وذلك نتيجة للتدين الضارب في عمق الثقافة الشعبية لهذا البلد، وصحيح أن البلد مر بفترات فتور في دعم الإيمان، كما هو الحال في الخمسينيات الى السبعينيات، ولكن هذه النشأة القوية للتيار الديني الإسلامي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أعطى زخما لبروز تيار إسلامي يتخذ من الله محورا لكل حركاته بما فيها السياسية، وعليه تم البدء بالتركيز على صناعة الله السياسي طيلة الثمانينيات الى يومنا هذا

إن "الله السياسي" لا يقصد منه هنا كيف يستخدم النظام الحاكم الله في تسيير اموره وفرضها، بل حتى في كيفية استخدام رجال الدين لهذا "الله" وفرض أفكارهم السياسية على المجتمع بقدرة أن الله هو الآمر الناهي

ففي المثال الأول لدينا مثال قريب، هو حديث مدير الحقبة السوداء خليفة بن سلمان عن الله وأنه كان مطمئنا أن كل ما قام به من قتل وتعذيب وتهجير واستباحة للشعب هو بعين الله وأنه مقتنع من رضا الله به، فهذا يحيلك إلى طريقة استخدام الله السياسي في جدليات الخطاب بحيث ان المعترض على هذا كالمعترض على الله، ألا نراه في كل عيد يصلي ، إذا هو مؤمن، كذلك تلعب الأنظمة ب"الله" في تحركها من أجل تثبيت حكمها لا من أجل مصلحة الناس

وفي المثال الثاني، فإن الله السياسي حاضرا وبقوة أكبر، فأي توجيه سياسي يستتبعه "أن فيه رضا الله" ألم تكن نصيحة السيد السيستاني هو طاعة الله ، ألم تكن المطالبة بالبرلمان الدستور الوضعي، هو جهاد في سبيل الله، ألا يخرج الناس في مظاهرات لا علاقة لله بها ليهتفوا "الله أكبر" و"النصر للإسلام" وليس لله او للإسلام دخل في موضوع المظاهرة التي خرجوا فيها ؟ هنا يكمن توظيف الله السياسي ليخدم أجندة التيار الإسلامي، فالتيار الإسلامي يرسم لنفسه منظومة يتحرك من خلالها لها عدة أجنحة، ولكن الله هو المحور لكل هذه الأجنحة، فهم ينطقون أن السياسة عين ديننا ، وديننا عين السياسة، وأنهما مندمجان بحال يصعب عليك تحديد الخط الفاصل بين الدين والسياسة؟ فهم عندما يتكلمون يقولون لك لا فرق ولا تفريق بين الدين والسياسة، ويحاولون بقدرة قادر التأصيل لهذا المفهوم ، وهو مفهوم يخدم الله السياسي ولا يخدم الله الرباني، وينسون، أو يتناسون، قرون من تحريم الولوج بالسياسة، ولولا أن أقوى حركة استطاعت فرض التقارب بين الديني والسياسي قبل مئة عام تقريبا في المستبدة والمشروطة، لكنا لا نزال نرى أن اي تحرك قبل الظهور محرم؟ فكيف أصبح حاضرا هذا "الله السياسي" حتى أصبح مسيطرا على "الله الرباني"

Wednesday, December 05, 2007

صناعة الله "الديني"


لن تجد خطيبا يعتلي المنبر أو شيخا يعظ الناس إلا ويقول لك "إن الله يأمركم بكذا، ويريد منكم أن تكونوا كذا"

هذا المقال هو تكملة للمقال السابق حول صناعة الله ، وينقسم إلى صناعة الله الديني وهو موضوع هذا المقال ويتبعه صناعة الله السياسي وهو المقال القادم إن شاء الله

تعتبر صناعة الله "الديني" حرفة يحترفها رجال الدين، فهم يصعدون المنابر في المساجد والمآتم ليحدثوك عن الله، وتكون لغة حديثهم عن الله هي لغة الله "الجبار الشديد العقاب" ليستبقوا اقتناعك العقلي باقتناعك الخوفي ، أي أن اقتناعك مبني على الخوف لا غيره، ومن ثم يبدأون بالحديث عن ما يريده الله، وبقدرة قادر يتحول لسانهم إلى لسان الله، وقولهم إلى قول الله، وفهمهم الإنساني، إلى أنه هو نفسه فهم الله الرباني ، فلا يحدثك أحدهم عن الاختلاف في فهم الله، ولا عن أن الطرق إلى بعدد أنفاس الخلائق، بقدر ما يحدثك من منظار ، أنني الإسلام، أنني لسان الله ، أنني لسان القرآن الحاكم عليكم بفهمي له، يندمج الخطاب الإنساني بالخطاب الرباني، لينتج الله الديني، الله الذي لا يعصى ، يحدثك هذا الشيخ على أنه الله ليس غيره

تستغرق أكثر في هذه المنظومة المحكمة، لتكتشف أنك منذ الصغر تبكي خوفا من المقبرة، أنها المكان الموحش، وذلك بفعل التخويف من عصيان الله، وكيف السبيل إلى طاعة الله غير أن يكون السبيل هو نفسه طاعة رجل الدين هذا، وأنه ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه كأنها نزلت في رجل الدين هذا نفسه دون غيره

بعد أن تتم المرحلة الأولى من الصناعة لهذا الله الديني والدمج الغريب بين الله رب الارباب وخطابات رجال الدين، يؤتى على إطاعة رجل الدين هذا والولاء له دون تفكير، فلن يعد هناك أدنى شك في أن رجل الدين نفسه قائم على انكشافات للحجب لا نبصرها نحن العوام من الناس

عند ذاك تكون أوامر هذا الله الديني نافذة، ولا من ضامن لأن يستخدم رجل الدين خطاباته في مصلحة الله وحده، بل قد تكون لمصالح شخصية وآنية، رجل الدين هنا بعد ان اندمج مع الله بتلك الصورة، أصبح مصدر تصوير لله لمن أراد أن يتصوره، ومصدر عبادة لله لمن أراد أن يعبده "فأتوا البيوت من أبوابها" وهو باب الله وباب الدين باختصار بابوية بصورة إسلامية

البابوية الإسلامية تفرض نفسها على كل مناح حياتك، فحتى دراستك تكون بنية القرب لله كما يعلموك بالمسجد، أن يكون ولائك للدين مقدما دائما وأبدا، وبالتالي تصنع نفسك من ضمن الجماعة، ولا تصنع نفسك والجماعة، بل تلغي ذاتك الخاصة دائما، وهذا موضوع حلقة أخرى من سلسة صناعات، ولكن ليت رجل الدين يصنع دينه من ضمن منظومة افهام للدين مختلفة متصارعة في المجتمع، ولا يصنع من دينه او ربه وكأنه رب الأرباب وديان الديانات