تحدثت أخت الشهيد السعيد علي جاسم عن أخاها الذي يستعد لاستقبال مولوده خلال الشهرين القادمين، وأنه في آخر كلماته التي نطق بها كان يوصيهم بزوجته وإبنه المرتقب، وأضافت أنه اشترى كل احتياجات طفله المرتقب "عدا سرير لم يستطع شرائه"
هل حركت هذه الكلمة في داخل أي قارئ شيئا ، ربما ليس بعد، حسنا سأحاول جاهدا أن أحرك في داخلكم شيئا
عيد الشهداء هي عادة سنوية، أنا شخصيا من المداومين على فعالياتها، طيلة الأربع سنوات ما بعد ما يسمى بعهد الإصلاح كنت مداوم على الحضور ، عدا العام الماضي وهذا العام الذي تم منع المسيرة فيه، وانتقلت المظاهرات إلى شوارع القرى، البديل الدائم عن أي فشل في الضغط، وكالعادة هذا العام القرى كانت تترقب المحاصرة لتنطلق هي بوفائها المعتاد لشهدائها
انطلقت المظاهرات كالعادة، واصطدموا مع المرتزقة الأنذال كالعادة، ولأن الفلفل المطحون – ربما كان منته الصلاحية- فإن عيوننا كانت تفيض بالماء لا بالدمع، وأيضا بين كر وفر، ومواجهات هي في كل يوم أعنف، كان كذلك يوم عيد الشهداء أعنف من سابقيه، وفجأة يرن هاتفي اتصال من صديق
يبدو أن هناك اصابة خطيرة، وبعدها اتصال يبدو أن الامر عادي وأنا في المستشفى الدولي، وبعدها اتصال ثالث، يحاولون عمل تنفس صناعي له ولكنه لا يستجيب، وبعدها اتصال رابع،
توفي
وفي خلفية الاتصال كانت أصوات إخوته صائحة نائحة ، طبعا لم تسمعوها لكنتم تأثرتم ، وأيضا كالعادة انتشر الخبر كالنار في الهشيم، والغضب الطبيعي هو أن يخرج الجميع للشارع
ليست مهمتي هنا رواية الرواية، بقدر ما تحريك ما بداخلكم يا سادة
الشهيد كان معي في المدرسة، لم نكن في صف واحد، بل كنا من نفس الفئة العمرية، وكنا من نفس القرية، جدحفص
في اليوم التالي تلقيت اتصالا يقول التشييع سيبدأ في التاسعة، وقمت باكرا للذهاب إلى الجبانة والبقاء هناك حتى العاشرة والنصف موعد المسير، ومرت المسيرة على جدحفص، أمام شارع السوق، أمام منزل الشهيد تقريبا، كانت النسوة تصيح وتولول ، وأيضا هو قدر جدحفص، أن أول شهيد في انتفاضة الكرامة، كان من جدحفص، وقدر جدحفص، أن يكون لخطاب "الموت لآل خليفة" طعمه الآخر في هذه القرية ويدفن الشهيد
هل تحرك فيكم شيئا؟ ربما ليس بعد فكثير مما قلته هو من السياسة الكثير، والحزن قليل
لكن الشهيد الذي يعمل سائقا، كم راتبه، لا أعلم ، لكنه بالتأكيد ليس بالذي يكفي لأن يستطيع الشهيد أن يشتري سرير إلى اول مولود، ايها السادة، لديكم مواليد ، ابحثوا عن الأول، ألم تشتروا له الغالي والنفيس، ألم تحاولوا أن يكون المميز بين عائلتكم، هذا المسكين كان ينتظر الأول، ليس الثاني لكي يتلابس مع الأول، إن الشهيد لم يستطع أن يشتري سريرا، السرير جزء مهم الآن من جهاز الطفل الأول، ليس أهم منه لون "الشباحات" وليس أهم منه "سلة الطفل" وليس أهم منه بقية الأشياء ، السرير مهم، وهو غال بعض الشيء لا كل الشيء ، لكن الشهيد لم يستطع أن يشتري سريرا لطفله الأول
تقول أخته أنه كان يحب الصغار وكان متعلق بابنها البالغ 8 أشهر ، ترى كيف سيرى طفله لو ولد بدون سرير، هل يستعير سريرا، لا يوجد من يعير سريرا، هل يسرق، الكرم والإباء البحراني يرفض له ذلك، لكنه ينتفض وجزائه مرتزقة تتحكم في حياته وفي عمره
وما إن مات الشهيد حتى تسابق السماسرة السياسيون، وتسابق الثوريون الزائفون، وتسابق عشاق المايكروفونات والصراخ فيها، وتسابق من لا يريدون أن تفوتهم اللحظة بدون أن تكون لهم بصمة فيه، الجميع تسابق لكي يبحث عن موطئ قدم له ، وليتهم جميعا، بل أتمنى من كل قلبي ذلك، أن يحترق قلب أحدهم لكي يحس بما يحدث للبسطاء
أيها السماسرة جميعا ، هذه هدية مني إليكم، تسابقوا لشراء سرير لطفل الشهيد، واكتبوا في الصحف فلان او الجهة الفلانية تبرعت لشراء سرير بعد أن لم يستطع أباه شرائه له، سيصفق لكم الاغبياء، والبسطاء، ورعاع حب وقول وابغض وقول ، هيا تلاقفوا الفكرة، تلاقفوها تلاقفوها ، فوالله لا جنة ولا نار إنه فقط سرير لم يستطع أباه أن يشتريه له، لا تجعلوا ابن الشهيد يولد بدون سرير، تخيلوا ايها السماسرة الطيبون أن يولد ابنكم البكر بدون سرير؟!
بالختام كلمة للوفاق
لأنني قلتها كثيرا سأقولها الآن أيضا علنا
لا أعلم أي سخيف ، هو ذاك الذي أصدر البيان الأول ليلة المقتل، وأي غباء في عقله ايا كان، وإن كان بيانكم الثاني جيدا نوعا ما، لكن ، لو كنتم رجال، بصفتكم النيابية اتكلم وليس بصفتكم الإسلامية، لو كنتم رجال، لن أطلب انسحابكم، بل لو كنتم رجال، كنت أتمنى فقط، بيان مقتضب، تعليق جميع عضوياتكم بالمجلس حتى استقالة وزير الداخلية وإحلال المواطنين بدلا من المرتزقة، لكنكم لستم بذلك القدر من الرجولة، واعذروني إن صارحت أحدكم أو كلكم بحقيقتكم ، لن تفعلوها ولو قتلوا الشيخ عيسى قاسم وأحاسب عليها أمام ربي