تعتبر مسألة القيادة من المسائل التي لا يخلو عصر او بيت في مجتمعنا إلا ويتم الكلام عليها بطريقة مركز ولكن بصور مختلفة لدرجة أن المثل البحراني يقول " الأمارة ولو على حمارة " فحب التزعم والزعامة هو آخر ما يخرج من قلب المؤمن حسبما يروى في الحديث الشريف ، وحب التزعم وقيادة الناس له صور كثيرة ، فليس بالضرورة القيادة الشعبية او السياسية، فالأب يقود عائلته ولا يريد لأحد أن يشاركه القيادة، والمدير يقود موظفينه ولا يريد لأحدهم أن يشاركه والعالم يقود رعيته ولا يحبذ أن يشاركه أحد وهكذا
والجدل الدائر حاليا حول القيادة، رغم أنه قديم وفي نفس الصورة إلا أنه لم ينتج شيئا للأسف ولا أراه ينتج شيئا في القريب، بعيدا عن حب الزعامة، فهو المعيار الذي يتحكم في الجدل الدائر حاليا، فمؤيدو هذا التيار أو ذاك يميلون إلى تقليب تيارهم ، وهذا نوع من أنواع القيادة أن يقود تيارك ، حتى ولو كانت حججك ضعيفة أو قوية، ستضع مصلحة الأمة ومصلحة الناس أمامك، ولكن بالنهاية في بواطن النفوس ترى أن حب او الحقد ضد فلان أو علان هو من يحركك لا المنطقية ولا مصلحة الأمة، ومسكينة هذه الأمة كم من الجرائم ترتكب والشعار ، مصلحة الأمة.
بعيدا أيضا عن معيار الجدل والذي ينصب فعلا حول تغليب خط على خط، أريد أن أناقش فكرة القيادة، برغم أني سائلت كثيرا من المثقفين والرموز أيضا حول هذا المعنى فلم أجد لديهم من يستطيع أن يوجد نظرية لا تحمل متناقضات في ذاتها ولعله قصور في فهمي أنا ولكن القيادة مسألة عويصة بصورة غريبة تتحكم في كثير من الحراك السياسي في الوطن
من هي القيادة ؟ كيف تختار القيادة ؟ هل تختارها الأمة، وبناء على ماذا ، أم هم ينصبون بصكوك وبروتوكولات اجتماعية ليقودوا؟ وماذا بعد اختيار القيادة ؟ من يقود من ؟ هل تقود الأمة القادة أم يقود القائد الأمة ؟ وأي النظريات أفضل ، القائد الواحد ام مجلس القيادة، ومجلس القيادة ، لفئة واحدة ، أم لفئات متعددة ؟ وما دور التيار الذي انتمي اليه في القيادة، وما دوري تجاه نظرائي من القادة لو كنت مكانهم ؟ لعل سؤال من يقود من هو السؤال الاكبر إثارة في هذا المجال، وله تفاصيل
فإن قلنا أن القائد يقود الأمة ، ماذا لو لم تقتنع الأمة بخطى القائد، هل يحق لها الانسلاخ عن قيادته ؟ فإذا انساخت اصبحت هي التي تقود، أصبح الشعار من هو معنا نحن معه ، إذا ما فائدة القيادة هنا ؟ هل لكي نسيرها وفق آرائنا ومنهجنا نحن العامة ؟ لو حصل هذا فلماذا أنا قائد، ألكي اقوم ببعض البروتوكولات اخطب وأؤكد ، هل هذا هو دور القائد الذي يريدونه مني،؟
أنا هنا لا أتبنى أي الخطين فلا أعلم أيهما يتم ترجيحه، فالأمام علي يقول في أحد المواضع " لك أن تشير وعليك أن تطيع " أي أن الآمر الناهي هو القائد ، ولكنه في موضع آخر يقول في عهد مالك الأشتر "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في البلاء وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف وأقل شكرا ، عند الإعطاء وأبطاعذرا عند المنع وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة، وإنما عماد الدين وجماع المسلمين ، والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صفوك لهم وميلك معهم "
هذان وجهان من كلام الإمام علي، ففي الأول يقول الإمام بأن القيادة تأمر والقاعدة تتبع، وفي الثاني يؤكد على أن القيادة هي تابعة للعامة ، والشواهد حول الكلام الأول او الثاني من السيرة النبوية او المعصومية كثيرة، فيكفي أن تحدد خيارك لكي تجد ما يدعمها من التاريخ الإسلامي
على أن هذا ليس ما أريد أن أتكلم عنه، فما أريده هو أي القيادات هي الأصلح،هل هي القيادة المُقنعة، أم القيادة المُقنّعة ؟؟ ألا يجب على القيادة أن تقنع قاعدتها بما تريد القيام به، ببرامجها، بأهدافها، بمنهجيتها، فإذا اقتنعت الجماهير أليس بعد ذلك تصلح هذه القيادة لأن تقود، لأنها خير من نظّر لتلك الأهداف، أليس هذا ما فعله النبي، فأول ما قام به الدعوة للإقناع، وبعد أن استقر به الأمر أخذ يقود للهجرة والغزوة؟ أليس هذا أحد أوجه أفكار حزب الدعوة عبر مرحلياته؟
فالقيادة متى ما استطاعت أن تقنع الناس ، فعند ذاك قد لا تكون هناك مشكلة قيادة، ولا يكون هناك مشكلة أسئلة كثيرة لا يستطيع القائد أن يجيبها ، ولا تكون هناك مشكلة الخوف من الإقدام على أي خطوة خدمة لذلك البرنامج، فالناس مقتنعة، بغض النظر عن الهدف هل هو صحيح أم لا، لكن كونك استطعت أن تقنع الناس فهذا يؤهلك لأن تقودهم.
أما القيادة المُقنّعة – بضم الميم والتشديد على النون بمعنى لبس القناع - فهي التي تتستر خلف الآخرين وخلف أهدافهم من أجل أن تقود وأن يتم نشر إسمها حتى ولو اضطرها ذلك إلى بيع مبادئها، او دينها، او تطويع دينها ليخدم شهوتها الشبقة جدا للقيادة، او قد تقوم تلك القيادة بممارسة القناع من أجل تمرير اهدافها
هذان المنهجان يطبقان حاليا ، أرى أن الأستاذ عبدالوهاب نجح في مسيرته على الرتم الأول حين بدأ برسائله الاسبوعية في خلق قاعدة – لا يعرف حجمها لحد الآن - قد أعطى مصداقا للقيادة المُقنعة، فهي استطاعت أن تربك الأجواء وأن تحدث خللا
الأستاذ عبدالوهاب انتبه لمشكلة وخلل القايدة منذ فترة كبيرة ، وأشار عدة إشارات إلى إصلاح الخلل في آلية اصدار القرار، لم يسمع له أحد، فهنا خطأ وقع فيه الكل، لا ينبغي أن يتم تحميله فئة دون أخرى، كلنا يعرف الخلل في آلية إصدار القرارات، وكلنا يعرف مشكلة القيادة، ولكن لم يسعى أحدهم لحلها أبدا
لا أريد تسمية المنهج الآخر وهو لابس الأقنعة، فليس هذا وقته وله الحق في أن يعتقد بما يريد، ولكن أقطع الطريق على بعض المرضى قلوبهم وأقول ليس الشيخ علي سلمان من ينتهج هذا المنهج
الحراك الحاصل حاليا والفرز الذي يباركه البعض شيء جميل وجيد ، فبإمكانه أن يساعد على انضاج وتبلور فكرة القيادة والقاعدة في البحرين، لكن أتمنى أن لا نصل "قومي كلهم رؤوس "
على أن ترتيب الأوراق الداخلية وعدم الفرز بناء على قيادة وآلية واضحة المعالم لا شك أنه الأفضل