هنا ،، هناك
هي امرأة الجنوب لا نقش للحناء على كفيها
د. خولة مطر
تلك التي بغشاء رحمها دفأته، وراحت تمتص من عروقها ملح الوجود لتطعمه فيكبر في أحشائها ويرحل عنها إلى حيث النور.. عالم هناك ينتظره ولكنه ليس بعيداً عن عيونها التي تحرسه بجفنها وهي جالسة القرفصاء على ارض صلبة، تدخل ورق التبغ واحدة تلو الأخرى غير مكترثة بقطرات الدم الدافئة وهي تسقط ‘’طق’’ ‘’طق’’ .. ربما عرفت ان أرضها، ارض الجنوب لا تسقى إلا بالدماء..
هي امرأة الجنوب التي لا نقش للحناء على كفيها بل تشققات عشق الروح للأرض.. وهي ترحل حاملة إياه من تحت غشاء رحمها إلى فوق غشاء الجسد الندي المعطر بعرق شمس صيف جنوبي.. أليست كل الجهات جنوب؟
وعندما فتحت عيناه بقطرات من ماء البحر ذاك الرابض على أطراف المدن حيث تلامس الموجة حافة السماء الزرقاء، عندها سقته حليباً ممزوجاً بكثير من الصبر والصمود..
هي امرأة الجنوب لا تنتظر اعتذاراتكم.. لا تبغي اعتذار احد.. ما ينفع الاعتذار عندما تسلم طفلاً خلف طفل خلف طفل الى رياح الموت القادمة من صوبهم، تلك الحاملة بصماتهم وبقايا رائحة مسكهم العربي المعتق في القصور، وسواد نفطهم الذي حول تلك الأجساد البضة الى قطع بلون الفحم. لا، هي لا تريد اعتذاراتكم..
هي الجنوبية، كلما سرقوا جنينها وهو في المهد، قالت ربما مازالت الأرض عطشى ربما؟ وراحت تنقش بذرة الصمود في رحمها من جديد، تغذيه بدفء قلب يكفي الكون..
هي الجنوبية قهقهت عندما سمعتك تردد على أسماع العالم ‘’لا شيء نعتذر عنه’’ وتعيدها مرة ومرات علهم يصدقون، علهم يرجعون عن ‘’تهورهم’’ عن ‘’مغامراتهم’’.! علهم يوقفون عزاءهم وبكاءهم ونواح المحظوظين من أطفالهم الذين وفرتهم رياح الموت هذه المرة، ربما لتعود من جديد؟ ولكنها الجنوبية ستجعل جسدها، كما هو دوما، سدا منيعا.. تسدل شعرها لتحيك منه بيت العنكبوت تخبئكم خلفه.. وتأتي بكلتا الحمامتين اللتين رعتهما كأطفالها ليحرسوكم بهدوء وسكون الملائكة..
هي امرأة الجنوب التي تعلمت بفطرة الطبيعة ان الأرض لا تنبت الا زرعها، وان الزرع لا يورق الا لمن يحميه بآخر قطرة دم.. هي لا تفهم رسائلكم القادمة من خلف زجاج الغرف المكيفة حيث تنتشر رائحة عطركم النفاثة، فهي لم تعرف التعطر بغير رائحة الجسد الممزوجة بنكهة الأرض الجنوبية، حتى رائحة الصابون تشح كثيرا فيبقى ماء السماء عندما يتساقط يغسل الأجساد المتعبة
.امرأة الجنوب، كل نساء الجنوب يقلن لكم: لا نريد اعتذاركم، ولا هداياكم ولا علب حليبكم ولا حتى أكفانكم.. هنّ احترفن عشق الأرض فرحن ينجبن أطفال الكرامة فيما تختبئون انتم خلف عباءاتكم خائفين على عروش مهزوزة امام رياح الجنوب المعطرة بدم الشهداء..
من نساء الجنوب لكم: ‘’اصمتوا او استقيلوا’’!