هذه ورقة كنت أعددتها لكي أقدمها في ورشة عمل خاصة بالإعلام في البحرين ولكن لم أوفق نظرا لفهمي الخاطئ لطبيعة الورشة واقوم بنشرها هنا
قبل أن نتكلم عن حرية التعبير ووسائل الإعلام، وحرية الوصول إلى المعلومة في البحرين، يجب أن نقفز قفزة سريعة تاريخية نستعرض نقطة أعتقد أنها تفيد في فهم التجربة هنا.
عانت البحرين منذ عام 1975 وهو عام حل البرلمان وتعليق العمل بالمواد التي تلزم الأمير السابق بإعادة الانتخابات خلال مدة محددة او يعود المجلس المنحل إلى طبيعة عمله وكأن شيء لم يكن، عانت من مرحلة سوداء، حقبة أظلم فيها كل شيء، فلم تعد تنتج بقدر ما تستهلك، ولم تعد تفكر بقدر ما تقلد، كانت تلك الفترة قمعية بدرجة أن ما يقارب العشرة استشهدوا في السجن تحت التعذيب، والاربعين في الشوارع أثناء الاحتجاجات التي كانت تطالب بتصحيح الأوضاع
ووضع البوصلة في مكانها الصحيح
وفي تلك الفترة غابت الرقابة عن المتنفذين وخصوصا من العائلة الحاكمة، وأصبحت يدهم طولى، وكل من كان له حظوة لدى أحدهم فلا يقاربه أحد، عانت البلاد من فساد إداري نخر في الدولة من أساسها إلى أبعد مدى وقل ما تجد مجالا من مجالات الدولة لم يدخله الفساد الإداري، وعانت من فساد مالي لم يسلم فيه كبيير المتنفذين من صغيرهم، الكل كان يسرق، وكأن البحرين بقرة حلوب لهم عانت البحرين من كل هذا وأكثر، المعتقلين بالمئات، والمهجرين يزيدون ،الدولة استفادت من ارتفاع اسعار النفط واستطاعت ان تخلق طبقة متوسطة مستهلكة لا تفكر إلا في العيش والمسكن وتنسى حقوق الدولة الإنسانية عليها، ولكنها تتذكر واجباتها تجاه الدولة
أمام تلك الفترة السوداء في عمر البحرين الحبيبة، أّنتجت أكثر من مشكلة، مشكلة الفساد، ومشكلة التعذيب، ومشكلة السرقات، ولما أن مضى خمسة وعشرون عاما من السواد الكالح على البحرين، حاول النظام فتح عهد جديد سمي بعهد الإصلاحات، وكان شرطه "التوبة تجب ما قبلها" " ولا تسأل عن ما سلف"
نحن هنا أمام إشكاليتين، فهناك قتلى قتلوا بفعل أدوات النظام القمعية، وهناك فساد من يقوده لازال في منصبه، وهناك سارق لم يسجن بل محمي من الدولة، وأمام هذا أنت غير مسموح لك بأن تتكلم عن ما مضى ، تكلم فقط عن العهد الحاضر، وامتدحه، لكن أن تذكر أخاك أو صديقك الذي قتل تحت التعذيب في السجن فالدولة هنا لا توافق عليه، أن تطرح سؤال برئ جدا " من أين لك هذا؟" فأنت تريد إثارة الفتنة، المشكلة أن الدولة تعتقد أن ما قامت به حقا في الفترة الماضية ولا يحق لك أن تسأل، ولو سألت فأنت صاحب المشكلة، بينما المشكة هي من الدولة نفسها، هي من عذبت وهي من قتلت وهي من سرقت وهي من أفسدت، فكيف لا أتكلم عن مشاكل سابقة صادفتني وكأنني سببها، السبب هي الدولة ويجب أن تتحلى الدولة بشجاعة للاعتراف باخطائها لا بأن تلقي التهم جزافا على كل من يمارس حقه في الكلام عن مشاكل كانت الدولة سببها، فعندما أتعرض للسجن هو حقي أن اتكلم عن ما جرى في السجن وليس حق الدولة ان تمنعني من حقي
الإشكالية الثانية، هي أن الفترة السوداء أنتجت جيلا من حلفاء الدولة وبعض البسطاء ممن يعتقد بنظرية " الحفاظ على المكاسب" وكأن المكاسب كيان هش بالامكان أن يسقط بمجرد أني تكلمت حول حقي، لقد وضع البعض من هؤلاء الحلفاء قوانين أمن دولة على أنفسهم بدون الحاجة من الدولة لوضع تلك القوانين، فهناك أشبه بتحالف بين الدولة وبين بعض الكيانات التي تجعل الدولة محمية بفعل هذه التحالفات، فالدولة الآن لا تجند نفسها للرد على المعارضة، بل توكل تلك المهمة إلى تلك الكيانات التي بينها وبين الدولة تحالف استراتيجي فتقوم تلك بالرد نيابة عن الدولة
إذا فحرية التعبير محكومة بقواعد اللعبة المحلية وليس بقواعد اللعبة الواقعية، فالدولة تعتبر أنها الطرف الأقوى وهي تسعى دائما إلى احتكار وسائل الإعلام، ويوم أن فتحت باب إعطاء تراخيص الجرائد رهنت ذلك بشروط تصل إلى مليون دينار تأمين ، وقال ولي العهد في أثناء جلسات لجنة تفعيل الميثاق أن الدولة ترى أن تجعل الإعلام المرئي والمسموع حكرا على الدولة.
عندما تريد أن تتكلم عن حرية التعبير فإلى حد ما الدولة تقول لك " قل ما تريد ونفعل ما نريد" هذه سياسة، ولكن هل هناك فعلا حرية تعبير بحيث أنك تستطيع الحديث بكل حرية، يقيدك الدستور بمادة " ذات الملك مصونة لا تمس" ولا نعرف هل ذات الملك مصونة دائما أم فيما تصب في خانة مصلحة الوطن ، ماذا لو تعارضت ذات الملك مع الوطن، فأيهما يقدم وأيهما يؤخر، فهل من المعقول أن يذهب الوطن في سبيل أن ذات الملك مصونة، وذات الملك المصانة تمارس صلاحيات تنفيذية واسعة من خلال دستور 2002 تصل إلى 12 صلاحية لا يمكن النقاش حولها لأن ذات الملك مصانة، فكيف تكون الذات مصانة وتمارس امورا تنفيذية ولا نستطيع ان ننتقد ممارساتها التنفيذية
عدوى الذات المصانة انتقلت إلى رئاسة الوزراء، فرئيس الوزراء الحالي هو نفسه الذي حكم البلد طيلة الحقبة السوداء ويستمر في عهد الإصلاح، ويوم أن طالب البعض باستقالته زج ببعضهم إلى السجون
وآخر ما توصلنا إليه من نقطة الذوات المصانة، هو ما أقره النواب أنفسهم قبل فترة بسيطة يمنع التعرض إليهم في وسائل الإعلام وإلا كان الشخص عرضة للتساؤل، سؤالي هنا، إن كان كل هؤلاء يريدون أن يمارسوا أدوارا تنفيذية او رقابية أو تشريعية، فكيف لا نسائلهم حول دورهم ؟
حرية التعبير تستطيع ممارستها طالما أنت بعيد عن سياسة الدولة، ولكنك لا تستطيع انتقاد دولة تملك سفارة في البحرين والقرار الذي تحاول النيابة العامة تمريره من إعطائها الصلاحية لمراقبة وسائل الاتصال بدون الرجوع للقضاء يضعك دائما في خانة المتهم
المشكلة أن الدولة هكذا تتعامل معك، فأنت دائما متهم
لا أعتقد أن حرية التعبير متاحة بالقدر الذي يطمح إليه شعب البحرين، ولا أعتقد أن حرية التعبير في البحرين تتوافق مع المعايير الدولية
الوصول إلى المعلومات محكوم بإرادة الدولة، فالدولة تحتكر الإعلام المرئي والمسموع، وتسن القوانين في خصوص الطباعة، وهي تهيمن على قطاع الاتصالات سواء عبر القوانين التي تسنها، أو عبر أمرها لشركات الاتصالات بغلق المواقع التي لا ترغب بها الدولة – بحرين أونلاين مثالا- بل إن الدولة سعت إلى تقييد كل المعلومات عبر قرار إداري أصدره وزير الإعلام الحالي يلزم أصحاب المواقع بالتسجيل في الوزارة حتى وإن كانت مواقعهم في خارج البحرين ، الدولة هنا تريد السيطرة على كل المنافذ التي قد تستطيع تشكيل الرأي العام في البحرين، فهي تريد أن تبقي هذا حكرا لديها، لذلك قامت في وقت سابقا بتكليف عدة شركات بمراقبة خطوط الانترنت من البحرين بغية الوصول إلى تفاصيل خاصة باستخدام الانترنت ، وفي اجتماع وزراء الداخلية العرب أيدت الدولة غلق بعض المواقع التي تدعو إلى الإرهاب – في حين أن العنوان مطاطي جدا – هذا على مستوى المعلومات العالمية
أما المعلومات الداخلية فهناك أبواب موصدة لا تفتح لك لكي تنكشف عليها، فأرقام التجنيس السياسي غير متاحة لك وتدار من القصر نفسه والأنباء الأخيرة أن الملك غير راض عن الأعداد لحد الآن، وتسجيلات الأراض – الطابو- مقفل عليه لا يتم فتحه أبدا، فأنت لا تعرف كيف تسير حركة الأراض في البحرين ومن يتحكم بتنقلات ملكيتها، وتاريخ بيع الأراض ، كما أن ديوان المراقبة لا يصدر تقارير تفصيلية تعرض على الجمهور أو تكون في متناوله، ميزانيات بعض الهيئات الرسمية مجهولة ولا تدرج في ميزانية الدولة الرسمية ، بعض البعثات في بعض الوزارات السيادية تتم بصورة سرية، كل هذه لا يسمح للمواطن بتداولها أو معرفة الشيء الكثير عنها، كل ما يجب عليك معرفته هو عناوين عامة، هذا عدد الساكنين في البحرين، بدون أن تعرف كم جنسوا، وهذه مساحة البحرين، بدون أن تعرف كم دفن في البحر ولمن أهدي وكيف اهدي
الصحافة في البحرين تعاني من مشكلة الانتقال من المرحلة السوداء إلى المرحلة الحالية، وفي البحرين حاليا خمس صحف اثنتان من العهد الأسود لم تستطيعا أن تتأقلما مع الوضع الجديد، وواحدة تحاول أن تكون متوازنة في ظل ميزان الدولة القوي ولكنها لا تستطيع دائما مقاومة التيار، والرابعة خطابها لا يتناغم أصلا مع المرحلة ولا يعرف إلى من توجه خطابها، والخامسة طائفية انشئت برعاية رسمية عليا ويصرف عليها من تلك الهيئة الرسمية ونفسها الطائفي يتناقض مع تعميم أصدره وزير الإعلام السابق نبيل الحمر في عدم الخوض في الامور الطائفية.
المشكلة الأخرى في الصحافة أنها لا تسعى لتغطية الخبر ، بل تتعامل معك في أنها تمن عليك إن يوم نشرت لك خبرا، وهذا التعامل سيئ جدا من قبل الصحافة.
إضافة إلى مشكلة نعاني منها، الربط بين الولاء للعائلة الحاكمة والولاء للوطن، فيجب عليك أن توالي الاثنين لكي تكون مواطنا كامل المواطنية، وإلا انهالت عليك التهم من الصحافة بعمالتك للأجنبي او عدم الولاء الوطني وسبق أن أشرت إلى ضرورة الفصل بين الولاء للوطن والولاء للعائلة، فالوطن باق
وأخيرا الصحافة انضمت إلى مشروع الترويج لكل ما يصدر عن القصر أيا كان ، هل فيه مصلحة أم فساد للوطن، وأصبح المعيار هو القصر بدلا من أن يكون الوطن، وقانون المطبوعات الذي رفض من قبل البعض، يمارس حاليا وبصورة أشد منهم هم أنفسهم، وبدلا من أن تكون الصحافة سلطة رقابية أصبحت سلطة مروجة لمشاريع القصر وإرادته
لذلك أعتقد أن الصحافة تسير بدرجة بطيئة نحو الالتقاء بالمعايير الواقعية ، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن جميع القضايا التي احيلت إلى النيابة العامة بخصوص قانون المطبوعات هي جرائم تتعلق بنشر خبر لا تريده الدولة وليس إبداء رأي
مصادر المعلومات
مصادر المعلومات لدينا في البحرين كما أسلفت غير متوفرة من مصادر متعددة بل تحتكرها الدولة وتحاول جاهدة أن تسيطر على معابرها وحجم عبورها ، بل تسيطر على ما ينشر وكيف ينشر ومتى ينشر، فمؤسسات المجتمع المدني لا تستطيع الحصول على أرقام واضحة حول اي شيء، كما لا تستطيع الحصول على صلاحيات المراقبة التامة، والبرلمان يحاول إصدار قرار يجرم فيه النواب – ممثلي الشعب – إن تكلموا بأسرار الجلسات ، والقرار الحكومي الذي يفضي يعدم التصريح لأية جهة إعلامية من الموظفين ، كلها أدوات محاصرة لمصادر المعلومات، لا تستطيع ان تمتلك مصادر معلومات متعددة تستطيع من خلالها قراءة الوضع بعيدا عن تأثير رغبة الدولة في كيف تقرأ ، تمت محاكمة رجل يعمل في وزارة الداخلية قسم إصدار الجوازات لأنه سرب معلومات لأحد النواب حول أعداد المجنسين ، وهناك شبه وصاية من الدولة على الصحف فيما تنشر او كيف تنشر حتى في أعداد المتظاهرين
لذلك فمصادر المعلومات الداخلية محدودة جدا ، وتقتصر في الحجم الذي تريد الدولة ان تخرجه لك لا في الحجم الواقعي او حجم حقك في الحصول على المعلومات، تتعامل الدولة مع المعلومات على أنها معلومات عسكرية قد يستفيد منها العدو، وبالتالي فهي تتعامل مع المواطنين كأعداء
المراسلين
قبل ثلاث سنوات، كان بالإمكان نشر أي خبر للعالم عبر الوكالات العالمية من خلال الاتصال بمراسلينها، ولكن لكون هذا أدى إلى إحراج الدولة في كثير من المواطن فقد لجأت إلى مسألتين حاصرت بهما المراسلين، فمن جهة ، رخصة المراسلة لا تعطى إلا لمن توافق عليه الدولة ولأي جهة إعلامية، فهناك تعطيل لإنشاء مكتب لبعض القنوات الشيعية، وتعطيل لإعطاء رخصة لمراسل من محطة تعتبرها الدولة عدوة، وقامت باقتراح مراسلين لأي جهة إعلامية تكون الدولة راضية عنهم – اقصد المراسلين- وأما المراسلين القدامى فقد حاولت الدولة تهجيرهم عن مراكزهم بعروض عمل مغرية في أماكن أخرى وعليه استطاعت جعلهم يتنحون عن المراسلة وأن ينشغلوا في أعمالهم الجديدة ، وفي نفس الوقت تقوم الدولة بتوظيف أناس جدد في كمراسلين يحوزون على رضاها، وفي النهاية ، لا تستطيع أن تكون مراسلا إن لم توافق الدولة على ذلك وتعطيك الرخصة
المؤسسات المساندة
أعتقد أن الصحافة تسير بخطى السلحفاة نحو تطوير نفسه، فهي خاضعة للقوانين، والقوانين تقديرية وتطبق بمزاجية حسب علاقة الصحيفة بالمؤسسات او الدولة ، والعامل المادي يسيطر على الصحافة ، فهي تخاف من رفع سقفها لكي لا تخسر المعلن، المؤسسات مستعدة ان تساند في حالة خدمة مشاريع الدولة، وغير ذلك فهي تضغط على الصحافة في سبيل تخفيف سقف الخطاب، ولا يسمح بوجود صحافة ذات سقف خطاب عالي تجاه الدولة نوعا ما، بل تحاصر ، وهذا يعيق من نموا مهنة الصحافة ، الاوامر التي تأتي من رؤساء التحرير والتي تأتي بدورها من جهات عليا، تضغط على الجسم الصحفي لكي يكون سقف الجميع واحد تجاه الدولة، يختلف صقفهم تجاه حركات المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، ولكنهم أمام الدولة سواء، ويكفي استذكار تهديد وزير التربية والتعليم السابق بإلغاء اشتراكات جميع المدارس والمكتبات من إحدى الصحف نتيجة نقدها اللاذع
كما أن مؤسسات المجتمع المدني لا تمارس حراكا فعليا يصب في مصلحة حرية الصحافة، والصحافة أيضا لا تمارس ذلك لكي ترتقي وتتزامن مع المرحلة الراهنة