Monday, December 14, 2009

قصيدة أخي جعفر للجواهري





أتعلم أم أنت لا تعلم ......... بان جراح الضحايا فمُ

فم ليس كالمدعي قولةً ......... وليس كآخر يسترحم

يصيح على المدقعين الجياع ......... اريقوا دماءكم تُطعموا

ويهتف بالنفر المهطعين ........... أهينوا لئامكم تُكرموا

أتعلم أن جراح الشهيد ...... تظل عن الثأر تستفهم

أتعلم أن جراح الشهيد ........ من الجوع تهظم ما تًلهم

تمص دماً ثم تبغي دماً ........... وتبقى تلح وتستطعم

فقل للمقيم على ذلة ....... هجيناً يسخّرُ أو يُلجم

تقحّمْ . لُعِنت ، أزيزَ الرصاص ........... وجرب من الحظ ما يُقسم

وخضها كما خاضها الأسبقون ....... وثّنِّ بما افتتح الأقدم

فإما إلى حيث تبدو الحياة ..... لعينيك مكرُمة تُغنَم

وإما إلى جدث لم يكن ......... ليفضله بيتُك المظلم




تقحّم ، لعنت ، فما ترتجي ...... من العيش عن وِرده تحرم

أأوجع من أنك المُزدرى ...... وأقتلُ من أنك المعدم

تقحم فمن ذا يخوض المنون ........ إذا عافها الأنكد الأشأم

تقحم فمن ذا يلوم البطين ..... إذا كان مثلك لا يَقحم

يقولون من هم أولاء الرعاع ......فأُفهمهم بدمٍ مَن همُ

وأفهمهم بدم أنهم ........ عبيدك إن تدعهُم يخدموا

وأنك أشرف من خيرهم ....... وكعبك من خده اكرم





أخي جعفراً يا رواءَ الربيـعِ إلى عَفِنٍ بـاردٍ يُسْلَـمُ

ويا زهرةً من رياضِ الخلـودِ تَغَوَّلها عاصـفٌ مُـرْزِمُ

ويا قَبَساً من لهيبِ الحيـاةِ خَبَا حينَ شَـبَّ له مَصْرَمُ

ويا طلعةَ البِشْرِ إذ ينجلـي ويا ضِحكةَ الفجرِ إذ يَبْسِمُ

لثمتُ جراحَـكَ في "فتحـةٍ" هي المصحفُ الطهرُ إذ يُلْثَمُ

وقبّلتُ صدرَكَ حيث الصميمُ مِنَ القلبِ مُنْخَرِقَاً يُخْرَمُ

وحيث تلوذُ طيـورُ المُنـى بهِ فهي مُفزعةٌ حُوَّمُ

وحيث استقرّت صفات الرجال وضَمَّ معادنَها مَنْجَمُ

ورَبَّتُ خـدَّاً بماء الشبـابِ يرفُّ كما نَوَّرَ البُرْعُمُ

ومَسَّحْتُ مـن خِصَـلٍ تَدَّلي عليهِ كما يفعل المُغْرَمُ

وعلّلتُ نفسي بذوبِ الصديـدِ كما عَلَّلَتْ وارداً زمزمُ

ولَقَّطتُ مـن زبَدٍ طافـحٍ بثغرِكَ شهداً هو العَلْقَمُ

وعَوَّضتَ عـن قُبلتي قُبلـةً عَصَرْتَ بها كلَّ ما يُؤْلِمُ

عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي تَقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُّوَّمُ

أخي جعفراً إنَّ رَجْعَ السنينِ بَعْدَكَ عندي صدىً مُبْهَمُ

ثلاثـونَ رُحْنَا عليها معـاً نُعَذَّبُ حيناً ونستنعِمُ

نُكافِـحُ دهـراً ويَسْتَسْلِمُ ونُغْلَبُ طَوراً ونَستَسْلِمُ



* * *


أخي جعفراً إنَّ عِلْـمَ اليقيـنِ أُنَبِّيكَ إنْ كُنْتَ تَسْتَعْلِمُ

صُرِعْتَ فحامَتْ عليكَ القلوبُ وخَفَّ لكَ الملأُ الأعظمُ

وسُدَّ الرُّواقُ فـلا مَخْـرجٌ وضاقَ الطريقُ فلا مخْرمُ

وأَبْلَغَ عنكَ الجنـوبُ الشَّمالَ وعَزَّى بكَ المُعْرِقَ المٌشْئِمُ

وشَقَّ على "الهاتفِ" الهاتفونَ وضَجَّ من الأسْطُرِ المِرْقَمُ

تعلَّمْتَ كيفَ تموتُ الرجالُ وكيف يُقَامُ لهم مَأتَمُ

وكيفَ تَجُرُّ إليكَ الجمـوعُ كما انْجَرَّ للحَرَمِ المُحْرِمُ


* * *


ضَحِكْتُ وقد هَمْهَمَ السائلونَ وشَقَّ على السَّمْعِ ما هَمْهَمُوا

يقولونَ مُتَّ وعندَ الأُسَاةِ غيرَ الذي زَعمُوا مَزْعَمُ

وأنتَ مُعَافىً كما نرتجي وأنتَ عزيزٌ كما تَعْلَمُ

ضَحِكْتُ وقلتُ هنيئاً لهـم وما لَفَّقُوا عنكَ أو رَجَّمُوا

فَهُمْ يبتغونَ دَمَاً يشتفـي به الأرْمَدُ والأجْذَمُ

دَمَاً يُكْذِبُ المخلصونَ الأُبَاةُ بهِ المارقينَ وما قَسَّمُوا

وَهُمْ يبتغـونَ دَمَاً تلتقـي عليهِ القلوبُ وتَسْتَلْئِمُ

إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهُمْ فيا لكَ من عارِمٍ يَغْنَمُ

فَهُمْ بكَ أولى فلمَّا نَـزَلْ كجَذْرٍ على عَدَدٍ يُقْسَمُ

وَهُمْ بكَ أولى وإِنْ رُوِّعَتْ عجوزٌ على فِلْذَةٍ تَلْطِمُ

وتكفُرُ أنَّ السمـا لم تَعُدْ تُغِيثُ حَرِيباً ولا تَرْحَمُ

وأُخْتٌ تَشُقُّ عليكَ الجيوبَ فيُغْرزُ في صدرِها مِعْصَمُ

تُناشِدُ عنكَ بريقَ النجومِ لَعَلَّكَ من بينها تَنْجُمُ

وتَزْعَمُ أنَّكَ تأتي الصباحَ وقد كَذَّبَ القبرُ ما تَزْعَمُ

لِيَشْمَخْ بفَقْدِكَ أَنْفُ البلادِ وأنفي وأنْفُهُمُ مُرْغَمُ


* * *


أخي جعفراً بعهودِ الإخاءِ خالِصَةً بيننا أُقْسِمُ

وبالدمعِ بعدكَ لا ينثني وبالحُزْنِ بَعْدَكَ لا يُهْزَمُ

وبالبيتِ تَغْمُرُهُ وحشـةٌ كقبرِكَ يسألُ هل تقدُمُ

وبالصَّحْبِ والأهلِ يستغربونَ لأنَّكَ منحرفٌ عَنْهُمُ

يميناً لتَنْهَشُني الذكريـاتُ عليكَ كما ينهُشُ الأرقَمُ

إذا عادني شَبَحٌ مُفْـرِحٌ تَصَدّى له شَبَحٌ مُؤْلِمُ

وأنِّيَ عودٌ بكَفِّ الريـاحِ يَسْألُ منها متى يُقْصَمُ


* * *


أخي جعفراً وشجونُ الأسى ستَصْرِمُ حَبْلِي ولا تُصْرَمُ

أزِحْ عن حشاكَ غُثَاءَ الضميرِ ولا تَكْتُمنّي فلا أكْتُمُ

فإنْ كانَ عندَكَ من مَعْتَـبٍ فعندي أضعافَهُ مَنْدَمُ

وإِنْ كُنْتَ فيما أمْتُحِنَّا بهِ وما مَسَّنا قَدَرٌ مُحْكَمُ

تُخَرِّجُ عُذْرَاً يُسَلِّي أخَـاً فأنتَ المُدِلُّ بهِ والمُنْعِمُ

عُصَارَةُ عُمْرٍ بشَتَّى الصنُوفِ مَلِيءٌ كما شُحِنَ المُعْجَمُ

بهِ ما أُطيقُ دفاعاً بهِ وما هو لي مُخْرِسٌ مُلْجِمُ

أَسَالَتْ ثراكَ دموعُ الشبابِ ونَوَّرَ منكَ الضَّرِيحَ الدَّمُ

1 comment:

المير داماد said...

احسنت عزيزي
هذا الجواهري..المدفون والمجهول..
ولو كان غيره لنصب له منبر حتى في المريخ